الأربعاء، 22 أبريل 2009

حملة ( المونوبولي ) لشراء الوطن



بقعة على الارض , منفى , مغترب .. داخل الاسلاك الشائكة أو خارجها.
الزمان : يوم واحد مستقطع من أجندة الفراغ.
الابطال : عراقيون مع سبق الاصرار و الترصد.
ملاحظة : مع تغير قوانين الزمان و المكان تتغير قوانين اللعبة و قد يتساءل الجميع .. كيف سنلعب المونوبولي اليوم ؟
قد تكون هذه اللعبة غير متوفرة , لذا سنحضر أقلاماً و ألوانا ًو أوراقا بيضاء نلصقها ببعضها لنحصل على مربع لا تتجاوز مساحته مقدار حلم واحد بالعودة.
نرسم اطارا للمربع الكبير و نقسمه الى مربعات أصغر. و يحق لكل لا عب ان يسمي المناطق بحسب المحافظة التي ينتمي اليها , و لتحقيق الهدف بسرعة يشترك اللاعبون الذين يتراوح عددهم في كل لعبة من ( 2- 6 ) في اختيار محافظة واحدة ضمن تصفيات المرحلة الأولى من حملة المونوبولي.
سيختلف شيء آخر .. فلا بنك سيوزع على اللاعبين الوريقات النقدية الملونة , و لن نرضى بالدعم الخارجي بل سنكتفي بما نملك من نبضات تتسارع و تتزايد بمقدار لهفتنا على اقتناء المستباح من الذكريات و الارض.
أيضا ً, لن تكون هناك فيش للعب , كل لاعب سيتجول بهويته الحقيقة , و لن نرضى ابدا تزوير الحقائق و الاسماء.
شيء واحد سيظل على حاله .. النردان.
( انطلق ).. يبدأ التجوال من مربع أخضر , تتسارع دقات القلب و يتوقف اللاعب عند منطقة يغمره الشوق الى بريقها . نردان آخران و انتقالة فذة للاعب ثان يحتضنه الحظ في ( صندوق الحظ ) الذي يضاعف رصيده من دقات القلب . ضربة ثالثة للنردين تستوقف اللاعب الاخر عند احد المعالم السياحية المغسولة بشروق شمس نقي . ضربة رابعة تقود اللاعب الرابع الى ( صندوق الذاكرة ) الذي يضاعف رصيده من الدقات مرتين . ضربة خامسة تقود لاعبها الى منطقة أفرغت من حكايات ساكنيها . ضربة سادسة للنردين تسحب صاحبها الى مربع ( الانتظار الاجباري ) حيث عليه ان يزيل اثار الدماء على الجدران و الشوارع و يلملم الشظايا و الركام .
تستمر اللعبة .. يتعاقب نردان بعد نردين , مناطق تلو مناطق , صندوق الحظ و صندوق الذاكرة , ايضا مربع ( الانتظار المجاني ) الذي يشخذ عزيمة اللاعب بصور الذكريات و يغمره بهواء لم يلوثه دخان الخراب القائم .
تستمر اللعبة و تلتهب الحماسة و تتسارع دقات القلب.
نردان يوقعان احد اللاعبين في مربع ( الحساب الأبيض ) حيث يخفت القلب و تكون الغرامة لحظة تأمل لمحاسبة الذات على قبول الهزيمة.
نردان تلو نردين, يتعاقبان و يتعاقبان لتنتهي الجولة الأولى ببداية الجولة الثانية من نفس المرحلة, و من مربع ( انطلق ) يتضاعف الحساب مرة تلو مرة, المناطق تشترى و تعمر البيوت. لا حدود لعدد البيوت. تضج الورقة بالمساكن و تلمع الجدران و تعكس الارصفة صفاء السماء الخالية من رذاذ الحرب.
تتوهج الورقة الصغيرة, تكبر و تتسع من ضجيج البشر .. قهقهات .. امنيات .. زغاريد .. دعاء بالحفظ .. و اغنيات تعلن نهاية المرحلة الأولى و بداية المرحلة الثانية للنيل من مداهمة الوقت الذي صار يقترب من لحظة تحقيق الحلم.
تجمع أوراق كل محافظة و تلصق مع بعضها بصمغ خاص يصنع من التمر المعجون بالماء و التراب لتفترش المساحة الممتدة بين الواقع و الحلم.
تعلو الزغاريد و يقترب الوقت , نسرع في مد المدن ببعضها. نجاورها واحدة تلو الاخرى, واحدة فوق الاخرى. نرصها. نعبدها. نرسم النهرين و نغرس النخيل.
الله .. ما أجمل الوطن.
البيوت شامخة و الشوارع تنبض بالوافدين. السماء عاكسة لنقاء النهرين , و النخل باسق يعانق أشعة الشمس الباسمة.
نشم رائحة التمر و السمك المسكوف , و مع اطلالة الخبر و القيمر يعلن الفجر نهاية المرحلة الثالثة .
أرى العراق بلون الفرح , نابضا ً بالحياة , مشعا ً مثل عشق حر .
انتهت اللعبة.
جاء الصباح بلفحة دمعة.. ربما علي الاعتراف بأني لا اتقن الوهم و الاحلام.
من شدة فزعي وجدتني اردد :
يالله ..
أعنا على فراق أوطاننا
أعنا على فراق أنفسنا في أوطاننا
أعنا على أوطاننا خارج أوطاننا
أعدنا لجدراننا الأولى , و أذقنا طعم هوائنا الهواء
عمدنا بماء دجلة و الفرات
اغسلنا من الشظايا , و أغمضنا عن رؤية ثقوب الحرب
أعزنا يا الله و انصرنا بشراء هذا الوطن
انا لله و إنا اليه لراجعون .. إنا للوطن و إنا اليه لعائدون .. إنا للوطن و إنا إليه لعائدون
إنا للوطن و إنا فيه و خارجه لميتون ..
اجعلنا يا الله من أحيائه القادمين
حسبنا الله و نعم الوكيل
حسبنا الله و نعم الوكيل
حسبنا الله و نعم الوكيل.
تنويه و اعتذار من العزيزة د. ميسون الموسوي : اعذريني يا ميسونتنا البهية حاولت أن اتبع وهج كلماتك التي كتبتها لي ( غاليتي .. حاولي و ان كان بالحلم او تصنعا حتى , حاولي أن تفرحي و لو قليلا ً لكي يرتاح قلبي المتعب من احزانك ) , لكنني وجدت نفسي و انا اضع قوانين اللعبة ملطخة بدم الشهيد كامل شياع , مذعورة من ألم حسين عبد اللطيف و مفزوعة من دوي أخطأ جواد الحطاب .. فاعذريني لأني لم أتقن صناعة اللعبة بخفة دم و مرح مثلما بدأتيها أنت .
رنا جعفر ياسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق